وفيق عرنوس: لوبي عربي لمواجهة النزعات التوسعية .. سوريا
وفيق عرنوس: كلنا شركاء
لقد انقضى القرن التاسع عشر الذي حمل معه في المحيط العربي كل أفكار وجهد العمل الوطني من استقلال للعراق، سورية ، لبنان ، الجزائر ، تونس ،ليبيا، ودول الخليج وغيرها من الدول مودعا الاستعمار الغربي بكل تنوعاته ومفاعلاته .
ورغم ان الحكام العرب تبنت في معظمها توجهات وأفكار منها الواقعية أو الخيالية, و منها التي ترى في الغرب سبيلا لبناء دولها وتطور حكوماتها، و أخرى ترى في الشرق املا وعونا لبناء نظام ديمقراطي شعبي لمواجهة أطماع الغرب ، والبعض القليل ذهب باتجاه النآي بالنفس حالما ببناء تيار مستقل ضمن منظومة الحياد الايجابي .ونظرية وحدة الأمة العربية لأن الشعوب في هذه الأقطار آمنت بوحدة المصير . لقد كان على رأس هذا التوجه الأحزاب القومية والبعث ومصر عبد الناصر وبعض الأحزاب الاشتراكية ٠
لا شك أن الأفكار عاشت في ضمير الشعوب العربية بصرف النظر عن التوجهات غربا أو شرقا وأصبح الرابط القومي شعوراً كان أم انتماءً ضد مختلف الأطماع أياً كانت تركية كانت أو غربية أو إيرانية التي كانت تمثل في عهد الشاه المخفر المتقدم لرعاية المصالح الغربية في مواجهة الوعي العربي والانتماء الوطني في مجمل الدول العربية، وكان احتلال الجزر الإماراتية ، طمب الكبرى والصغرى دليلا سافراً على سلوك الشاه العدواني.
هكذا عاشت الأحزاب القومية الوطنية في إطار حاضنة شعبية واسعة وانطلقت الأصوات تعلو لتحرير الأجزاء المقتطعة من الوطن العربي مثل فلسطين ، اسكندرون ، عربستان ، إريتريا وغيرها. وجاءت الثورة المصرية بقيادة الضباط الأحرار وعبد الناصر لتشكل منصة سياسية و إعلامية هامة كمشروع سياسي لانتشار الأفكار القومية الوطنية ، ما جعل هذه الأفكار ذات تأثير فعال على الكيان الصهيوني ومعه المصالح الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا فأصبحت المؤامرات والسياسات الخبيثة تحاك ضده و توجت بحرب السويس عام ١٩٥٦منيت فيها القوى الاستعمارية القديمة بخسائر سياسية فادحة .
لقد تركت هذه الحرب تداعيات على الطرفين فالعرب أشعل الانتصار حماسهم ومنحهم جرعة من الأمل يصل حد الغرور وهم ينظرون لمستقبلهم دون أية خطوة علمية لجمعهم والتعامل مع بدائل تشكل مشروعا عربيا وطنيا يهديهم السبيل بل راحوا بغرورهم هذا يكيلون الاتهامات ويعززون الفرقة بدل التوحد بينهم أما الطرف الآخر فقد أتاحت حرب السويس لأمريكا فرصة القفز بقوة لتشغل الفراغ الذي أحدثه انسحاب الاستعمار القديم ، كما سارع الروسي إلى الوقوف بجانب مصر وسورية والعراق .
لقد حملت الدول الثلاثة هذه مشروع وحدة العمل القومي الذي من خلاله بات للعرب يمتلكون مشروعا واضحا إلى حد ما يلقى تأييدا شعبيا عربيا واسعا الأمر الذي لم يروق للغرب وعلى رأسه أمريكا وإسرائيل ، التي ووجدت في هذا التوجه خطرا على مصالحها فاستنفرت إيران الشاه الذي كان يمثل المخفر المتقدم للغرب ، وأيقظت القضية الكردية في شمال العراق ما جعل هذا البلد الذي تبنى وبشكل سريع الأفكار القومية واليسارية، ينشغل في هذا المرض المزمن رغم أحقية بعض المطالب الكردية .
وهكذا تعثر الوليد ( المشروع القومي ) وانقسم الشعب العربي وحكوماته بين مؤيد وممانع خوفاً من إنتاج الثورات في العديد من الدول العربية والتي كان للتيار القومي تأثير فيها أدت إلى تغييرات في أنظمة الحكم في ليبيا واليمن ثم في سورية والعراق وكل هذا كان محط أنظار بقية الشعوب العربية إذ ألهبت الأفكار القومية الوطنية مشاعر الأجيال الشابة من المشرق العربي حتى مغربه. لقد فرحنا عاطفياً عندما أعلن عن سقوط الشاه لاعتقادنا بأن قاعدة غربية هزمت وصفقت شعوبنا لثورة الخميني الذي رفع العلم الفلسطيني على سفارة الولايات المتحدة الأمريكية وأجج الصراع في المنطقة كلها ضد المصالح الغربية. لكن فرحتنا لم تدم طويلاً لأن مشروعاً جديداً لا يقل خطورة من قاعدة الشاه بدأ يظهر للوجود في إيران وذلك بالدعوة لقيام دولة إمبراطورية فارسية تحت عباءة الإسلام، الأمر الذي هز مشاعر حكامنا وأخاف دول الخليج بشكل خاص، غير أن سورية رأت في مساعدة هذه الثورة والوقوف معها خدمة جلى للعرب وقطع الطريق على تبني الغرب مشروع تفكيك المنطقة إلى إسلام شيعي وإسلام سني. لقد استغل الغرب الموقف الإيراني والسياسة الإيرانية تجاه المنطقة ورد فعل الأنظمة العربية منها و نجح في الإيقاع بين العراق العربي و إيران في حرب استمرت ثماني سنوات مهدت الطريق لإنجاح المشروع الغربي ، واستعرت المشاعر البغيضة بين العرب والفرس وجدت مرتسمها على الأرض خلال الحرب على العراق عام ٢٠٠٣ تاريخ سقوط بغداد فوجد النظام الإيراني فرصته لتفكيك العراق باستصدار قرار أمريكي لاجتثاث البعث وملاحقة منظماته وحل جيش العراق الوطني وقتل ضباطه وملاحقتهم متخفين خلف الاحتلال الذي أدرك متأخراً خطأ قراره ووحشية ما آلت إليه الأمور في العراق من خلال مسايرة الأمريكي لرجال الدين والإيرانيين على حد سواء. وقد ظهر ذلك واضحاً في معالجة الأمريكان للمسألة السورية حيث حرصوا رغم موقفهم المعادي بقاء الجيش العربي السوري وعدم التفريط به أو إيقاع الأذى في عناصره ومحاسبتهم على مواقفهم لأن بديل المؤسسة العسكرية السورية هو الفوضى وسيطرة القوى الظلامية غير المنضبطة أمثال داعش والنصرة وغيرها من الفصائل المدعومة من التيارات الدينية الحاقدة على البعث والعروبة أصلاً. وفي هذا الصدد برز الدور الإيراني في سوريا ليعمل ضمن منظومة المؤسسة العسكرية مسايراً الغرب في بعض مصالحه ومتنكراً من جانب أخر لكل النزعات العربية الوطنية في سوريه.
من هذه النظرة المعقدة والتداخلات الإقليمية والدولية في الشأن السوري والجدلية المثارة في العديد من المحافل والاجتماعات والمؤتمرات أرى صعوبة الوصول إلى حل سياسي سوري – سوري أو حتى سوري بإشراف الأمم المتحدة لعدم بلورة رؤية واضحة لدى المعارضة السورية بهذا الخصوص و النزعات الطائفية التي عززتها الحرب بين الطوائف والتجييش المتعمد من المعارضة ضد العلويين.
إن الغرب ممثلاً بأمريكا وكذلك روسيا ومعهم إيران يقفون على عتبة المأساة السورية متذرعين بفشل المعارضة لتقديم مشروع سياسي يحافظ فيه على دور الجيش العربي السوري في إعادة هيكلة نظام جديد واستمرار المؤسسات السورية ضمن معادلة تبادل المنافع والمصالح للاعبين الإقليميين والدوليين.
إن المسرح السوري بما يعاني من الضياع والنكبة التي لم يرى العالم مثيلها في القرن العشرين من تداعيات خطيرة مفجعة وقتل وتهجير ومحو للذاكرة والثقافة وسرقة للتاريخ والحضارة بمرأى ومعرفة الدول العظمى ممثلةً في الولايات المتحدة الأمريكية وتنسيق روسي للاستمرار في تعميق النكبة وإبادة الشعب السوري وصولاً إلى حلول تخدم إسرائيل وتطيل أمد الحرب ليحرق الجوار طمعاً في رسم حدود الشرق الأوسط الكبير ، وإبرام اتفاق جديد بدل من اتفاق سايكس بيكو تتوزع فيه الدول العظمى الهيمنة على جغرافية المنطقة العربية.
إن استمرار المعاناة في سوريا والعراق وليبيا واليمن ، وربما تضاف إلى نكبة العرب دول أخرى ، قد تعيد العرب إلى الخيام و وتستنزف أموالهم ، كل ذلك يدعوني لأعلن صرخة الحق لعل الحكماء من العرب يسمعونني.
إنني أدعو الحكام العرب وأصحاب رؤوس الأموال وخاصةً المقيمين خارج الوطن للإسراع في تبني مشروع إقامة لوبي عربي وربما عربي إسلامي ليكون وعاءً لكل شعوب المنطقة ومنبراً للدفاع عن مصالحها تذوب في هذا الوعاء كل الطروحات الضيقة والعصبيات المحلية والدينية مستفيدين من الطاقات العلمية والفنية الموجودة في أمريكا وإنكلترا تحديداً وباقي أوروبا والعالم ليكونوا برنامج اللوبي مبنياً على العلم وحشد الطاقات الفنية الموجودة بكثافة في هذه البلدان من أطباء ومحامين ومهندسين وصيادلة وباحثين ورجال الأعمال والتجار.
لقد سبق لتجارنا من السلف الصالح نقل الإسلام إلى شرق المعمورة من خلال الأخلاق والفكر وليس البندقية أو السلاح والقتل وأوصلوا رسالة العرب والإسلام رسالة الحق والمنطق وحسن الأخلاق وطيب المعاملة إلى أندونيسيا الدولة الإسلامية . ذاك اللوبي من الرعيل الأول نجح في رسالة الحق وإننا ندعو بل وبحاجة ماسة إلى لوبي عربي يجمع ولا يفرق ويؤسس إلى تحصين وحماية الأمن القومي العربي ويبعد الشبهات عن بلادنا وعن صورة الحضارة التي ما زالت تعيش منذ ألف وخمسمائة عام تحافظ على كل الأديان والمعتقدات وتحمي الإنسان والمعابد لكل الأديان.
لوبي يبني رسالته على العلم والمحبة والإنسانية والتعاطي مع كل الأديان والشعوب بمنطق المشاركة الوجدانية والأخلاق الكريمة واحترام الإنسان لإنسانيته وليس لماله أو منصبه أو معتقده.
لقد نجح اللوبي الإسرائيلي في الدفاع عن إسرائيل في كل المحافل الدولية والدول الغربية منها والشرقية، كما نجح اللوبي الإيراني في استبعاد الحرب عن إيران وساهم في التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني بما يخص المسألة النووية. بينما العرب غائبون وقد اقتربت النار من أقدامنا؟ ماذا ننتظر ونحن نمتلك كل العناصر التي تؤدي لخلق لوبي يدافع عن حقوقنا. إننا بحاجة إلى توحيد الكلمة والفعل بمنطق العلم والحلم والحكمة وليس بمنطق الغرور والاستكبار وتكديس السلاح لنحارب به بعضنا . إن لوبي عربي هو حاجة ماسة اليوم لصد ما يعد في مطابخ العدو لإبادتنا ومحو حضارتنا ومسح العروبة من رقعة الشطرنج العالمية. إننا إذ ننجح في خلق هذا اللوبي نكون قد ساهمنا برسم خريطة الطريق لحل سياسي علمي ليس في سوريا وحسب بل في كل المنطقة العربية التي ينتظرها ما حصل في كل من سورية والعراق وليبيا واليمن وربما أبشع من ذلك والحل بيدكم أيتها الشعوب العربية وحكامها.
لقد ضاقت بنا الأرض وغصت السماء وأصبحنا ضحايا عدوان آثم بغيض لا ذنب لنا فيه سوى أننا عرب لا ندرك مصالحنا ، ولا قدرة لنا و لا لحكامنا على استيعاب نتائج هذه الحرب البغيضة أمام تآمر كل القوى مستغلة ضعفنا وتفرقنا للهيمنة على مقدراتنا.
وفيق عرنوس – بوسطن في 10-02-2016
from كلنا شركاء في الوطن http://ift.tt/1PQWYJm
via IFTTT