ساعدوني لأبر بأمي التي تهملني معنويا ولا تشعرني بحنانها

ساعدوني لأبر بأمي التي تهملني معنويا ولا تشعرني بحنانها

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



شكرا على جهودكم.



عندي مشكلة تواجهني منذ كنت صغيرة، علاقتي مع أمي جداً جداً سيئة ودائما نتشاجر، أنا خائفة من ربي، أعلم أن عقوق الوالدين ليس أمرا هينا بل من الكبائر، والله إني أحاول وأدوس وأذل نفسي حتى لو كانت هي المخطئة بحقي، أعتذر فقط لأجل ربي يرضى علي، لكن أحيانا لا أتحمل وأقل أدبي معها، ولا أقدر أن أحبها حتى أبرها، آسفة لأني أقول هذا، أنا لا أنكر فضلها علي من يوم كنت صغيرة، لكن أمي ولا مرة حضنتني ولا حتى مسحت على رأسي، أنا ابنتها لكن أمي جافة معي، أبكي بالليل لساعات وأقعد بغرفتي لساعات طويلة وأمي لاهية، حتى أنها لا تفتقدني!



لا أريد أن أظلمها، هي مادياً لا تقصر معي، لكن معنويا لا تحسسني بحنانها ولا كأني ابنتها، تعبت من الموضوع، وأخاف أن غضب ربي، أخاف من عقابه فلا أحد يضمن عمره، أنا أحب ربي وأتحمل طاعة له، لكن ليس دائماً أتحمل أسلوب أمي، عكس علاقتي مع أبي تماماً، فهو يحتضنني، ويسأل عني ويهتم بي ويسمع شكاوي، ماذا أفعل؟ أريد أن يرضى ربي علي، ولا أريد أن أكون عاقة بأمي، أريد أن أبرها إذا كبرت، وأكون أكثر إخواني براً بها، لكن أحيانا لا أتحمل المشاكل التي بيننا.



ساعدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:



يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يوفقك في دراستك، وأن يرزقك محبة والدتك، وأن يعينك على برها وإكرامها والإحسان إليها، وأن يؤلف بين قلبيكما، إنه جواد كريم.



وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الإنسان يعز عليه جدًّا أن تكون علاقته مع والديه فاترة، خاصة الأم، فإن لها من الجهود والتضحيات التي لا يمكن للإنسان أن يُنكرها كائنًا من كان، حتى وإن كان غير مسلم، ولذلك نجد أن الله تبارك وتعالى خصَّها على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم – بثلثي البر، وجعل الثلث الأخير للوالد، نظير ما قدمتْ من تضحيات من حمل ورضاعة وحضانة ومتابعة، حتى بعد الزواج تظل تحمل همَّ أبنائها وبناتها.



ولذلك لا يمكن لنا بحال أن نكافئ الأم مطلقًا، وكذلك لا يمكن لنا أن نكافئ الأب، ومن هنا فإنه فعلاً عندما يشعر الإنسان بأنه لا يملك محبة وعاطفة تجاه أمه يشعر بحزن كبير وأسىً وحسرة، لأنه يرى أن هذا غير طبيعي وغير مألوف كما تشعرين أنت – ابنتِي عائشة - .



ولذلك أقول: إن الأمر ينبغي أن نفرق فيه بين مسألتين: مسألة الحب والتعلق القلبي، ومسألة البر والطاعة، أما عن الحب والتعلق القلبي فإنه أمر لا يملكه إنسان، لا أنت ولا أنا ولا أحد من الخلق، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، وقال - صلوات الله وسلامه عليه أيضًا في قضية حبه لعائشة – رضي الله عنها -: (رُزقت حب عائشة من السماء) وقال كذلك: (اللهم إن هذا قسْمي فيما تملك وما أملك، فلا تلمني في ما تملك ولا أملك) أي أن النبي - صلى الله عليه وسلم – يبيِّن أن الله تبارك وتعالى هو الذي يملك القلوب وهو الذي يحركها ويصرفها، أما الإنسان فإنه لا يملك من ذلك شيئًا.



ولذلك أقول: إن المحبة والميل القلبي أمر لا يُحاسب عليه الإنسان، لأنه خارج حدود التكليف الشرعي، أما الذي يُحاسب عليه – ابنتِي عائشة – إنما هو السلوك والتصرفات، ومن هنا فإني أقول: لا ينبغي أن تربطي ما بين العاطفة وما بين حق والدتك عليك من الإكرام والإحسان، والصبر على أذاها ومساعدتها قدر الاستطاعة، والدعاء لها بظهر الغيب، فهذا أمر مطلوب شرعًا، لأنه من أبسط حقوق الوالدين على الولد، والقرآن الكريم كما تعلمين بيَّن لنا ذلك واضحًا جليًا خاصة في سورة الإسراء.



لذا أقول: قضية الحب لا علاقة لها بقضية الطاعة، وإنما الطاعة مقدور عليها، لأن الله كلفنا بذلك، ولذلك قال سبحانه: {أنِ اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير} وقال أيضًا: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} إلى غير ذلك من النصوص.



فالواجب عليك أن تجتهدي أولاً في الدعاء أن الله تبارك وتعالى يرزقك محبة أمك، لأن الدعاء يرد القضاء كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم –، كذلك الواجب عليك – يا بُنيتي، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا – أن تجتهدي في الصبر عليها، وفي احتمال أذاها، وفي إكرامها، وفي طاعتها، والإحسان عليها على قدر استطاعتك، بل بأقصى ما تستطيعين، لأنك لا يمكن أن تكافئيها على ما صنعت مطلقًا، حتى ولو طلقة من طلقات وضعك.



الأمر الثالث الذي ينبغي عليك فعله - ابنتِي عائشة -: لماذا لا تعقدي جلسة حوارية بينك وبين والدتك، وتبيّني لها أنك تشعرين أنها تعاملك بنوع من الجفاء، وأنك في حاجة إلى عطفها وحنانها إلا أنها لا تقوم بذلك، وقولي لها: (آخر مرة ضممتني إلى صدرك كانت متى يا أماه؟ إذا لم تضميني أنت إلى صدرك فمن الذي يضمني؟ إذا لم تسمعيني الكلمات الحانية الرقيقة فمن الذي يُسمعني ذلك؟).



حاولي أن تبيني لها أن هذا الجانب هي مقصرة فيه، ولكن بكل أدب، وأنك في حاجة إلى هذا الحضن الدافئ، الذي به تنتقل العواطف والمشاعر منها إليك، وقولي لها (كما يفعل والدي – على سبيل المثال – فإن والدي - جزاه الله خيرًا - يصنع ذلك معي، ويتتبع أخباري ويتفقد أحوالي) أما أمك فإن دورها محصور في الناحية المادية كما أشرت، ولا بد مع الناحية المادية من الناحية النفسية المعنوية، إذًا أقول: جلسة حوار بينك وبين أمك بعيدًا عن إخوانك، وحاولي أن تستفسري منها عن سبب هذا العزوف العاطفي عنك، لعل أن هناك سبب أنت لا تشعرين به، وهو الدافع إلى ذلك كله.



إذًا - بارك الله فيك – عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى، عليك بالصبر الجميل والتضحية إلى أكبر قدر ممكن في خدمتها وبرها والإحسان إليها، عليك بجلسة حوارية بينك وبينها لتستفسري منها عن سبب هذا الجفاء والجفاف العاطفي الذي أدى إلى هذه النفرة الموجودة في قلبك.



أنا واثق - بإذنِ الله تعالى - لو أن الله أكرمك بذلك، فسوف تستطيعين التغلب على هذه المشكلة، وتعود المياه إلى مجاريها، وتكون العلاقة بينكما على أفضل ما يُرام.



هذا وبالله التوفيق.





via موقع الاستشارات - إسلام ويب http://www.islamweb.net/consult/index.php?page=Details&id=2197266

إقرأ أيضا :