الاكتئاب النفسي.. أسبابه وعلاجه.

الاكتئاب النفسي.. أسبابه وعلاجه.

السؤال:

سعادة الدكتور الفاضل: محمد عبدالعليم, سلمك الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



أنا رجل متزوج, ولدي أولاد والحمد لله, أعمل في استثمارات خاصة بي, كانت طفولتي صعبة؛ حيث إنني نشأت يتيم الأب, لم أكمل دراستي, عملت بالتجارة ونجحت نجاحاً باهراً, ولله الحمد, وكونت رأس مال كبير, ولكن حصلت مشاكل بيني وبين شركائي في عملي؛ حيث إنهم قاموا بخيانتي, واختلسوا حقوقي, وهي مبالغ كبيرة, وذلك بسبب ثقتي وطيبتي, وأقمت دعاوي ضدهم في المحاكم ولا تزال قائمة حتى الآن.



آمل من سعادتكم -يا دكتور محمد- مساعدتي في الجانب النفسي كاملاً والطبي والاستشاري, وتشخيص حالتي, وإرشادي ماذا أفعل, وكيف؟ وفقكم الله تعالى لكل خير.



كما أني أعاني من عدة حالات, علماً أن هذه الحالات كانت موجودة معي قبل حدوث المشكلة في عملي منذ سنوات عدة, ولكنها زادت بعد المشكلة, وأصبح من الصعب السيطرة عليها, وهذه الحالات تتلخص بالآتي:



1ـ أشعر بالكسل والثقل الشديد من المسؤوليات (الدينية والاجتماعية والأسرية).



2ـ سرحان وفراغ داخلي وصعوبة في التركيز.



3ـ يعتريني بعض الأحيان ملل, وأشعر بالذنب بدون سبب.



4ـ إن واجهتني مشكلة ما أقلق قلقاٌ مبالغا فيه وأحبط.



5ـ سريع الانفعال والغضب, وكثير من الناس يقولون عني: أنني عجول.



6ـ أشعر بالغربة رغم أنني في بلدي ومجتمعي.



7ـ ينتابني بعض الأحيان شعور بأن هناك مصيبة سوف تقع, أو سوف يأتيني خبر محبط ومفزع, وتتسارع دقات قلبي, وأتعرق وتبرد أطرافي, خصوصا أقدامي, هذا الشعور يأتيني كثيراً عندما أكون في رحلة استجمام أو في إجازة مع أولادي.



8 ـ ينتابني بعض الأحيان شعور بأن هناك من يتتبع زلاتي وهفواتي, ويريد أن ينغص علي حياتي, ولا يريد لي الخير (ليس ثمة شخص محدد).



9ـ أشعر بخوف وارتباك وغياب تام للثقة في النفس, وأتعرق ويغيب صوتي (أتكلم بصعوبة) يحدث هذا عند أشياء عادية, مثل: مقابلة مسؤول في دائرة حكومية لطلب حق من حقوقي, أو أي طلب عادي.



10ـ أخاف من المواجهة في المواضيع الحساسة والحاسمة, حتى لو كان الحق لي أعتقد أنني لن أفلح بالدفاع عن نفسي, وأنني سوف أصبح في موقف لا أحسد عليه.



11ـ في البيت أكثر الوقت جالس في مكتبي لا أحب الجلوس كثيراً مع زوجتي وأولادي, مع أنني أحبهم ويحبونني ولله الحمد, وبسبب ذلك أشعر أنني مطالب أن أكون إجابيا ومتفاعلا معهم في كل شيء, وأنا لا أستطيع أن أعطي هذه الأشياء بشكل أريحي.



12ـ الأصوات العالية كأبواق السيارت العالي, وصراخ الأطفال المرتفع, والشجار الصوتي بين شخص وآخر؛ تربكني وتوترني بشكل ملفت وملاحظ من قبل الغير.



13ـ أعاني من المزاجية, لا توجد عندي استمرارية ووسطية في المزاج, بمعنى أني مرة مبسوط ومطمئن وأشعر بنشوة ومتفائل ومقبل, ومرة أكون قلقا ومتشائما, وأشعر أنني مهدد بدون سبب منطقي, وكل هاجس يؤثر على مزاجي تأثيرا ملاحظا.



14ـ أعاني من أرق شديد في الليل, ولا أنام جيداً إلا في النهار, وقد استخدمت كافة الطرق السلوكية والمعرفية والأعشاب وغيرها, وكلها لم تفد, أستمر فترة في النوم ليلاً ثم أعود إلى النوم في النهار تدريجياً, وأعاني من هذه المشكلة منذ عرفت نفسي.



وبخصوص العلاجات التي استخدمتها فقد استخدمت دواء (سيبرالكس) 10ملج بناءً على ما قرأته لكم, وثنائكم على هذا الدواء, وقد ارتحت بنسبة 50%, فصرت أشعر بسترخاء وهدوء ولله الحمد, وذهبت عني دقات القلب السريعة, والخوف, مع بقاء الأعراض الباقية المذكورة.



عندما رفعت الجرعة إلى 20 ملج؛ شعرت بقلق, وارتجفت يداي, ثم أرجعتها إلى 10 ملج فارتحت, وبعد ستة أشهر تركت الدواء بالتدريج, ثم بعد ثلاثة أشهر من تركه رجعت لي الأعراض التي قد ذهبت عني, وقرأت توجيهاً من سعادتكم لأحد الأخوات عن كيفية تناول (السيبرالكس) بعد الانتكاسة وهي 10 ملج لمدة شهرين, ثم 20 ملج للمدة أربعة أشهر, ثم 10 ملج لمدة عام, ثم تركه بالتدريج, وبالفعل استخدمته بهذه الطريقة 10 ملج لمدة شهرين, ثم 20 ملج لمدة أربعة أشهر, ثم10 ملج لمدة عام, وأنا الآن في مرحلة الـ 10 ملج الأخيرة.



ونظراً لكوني أعاني من الأرق فقد أضفت له مؤخراً (الريميرون) نصف حبة قبل النوم بساعتين, والريميرون مفعوله معي لا بأس به من ناحية النوم, إلا أنه زاد من وزني, أرى كوابيس غير مزعجة في النوم, ولدي برودة بالأطراف, خصوصا الأقدام, وذلك منذ استخدام (السيبرالكس) وحتى الآن.



عملت فحصا للغدة الدرقية, وفيتامين (د), وكلها طبيعية والحمد لله, وأكلي جيد, ولا أعاني من هلاوس أو سماع أصوات, وغيرها ولله الحمد.



بشكل عام -يا دكتور محمد- أنا أمارس حياتي بشكل طبيعي والحمد لله, ولكن أشعر بتعب وعناء شديد يتجاوز الإطار المعقول, وأريد أن أنعم بالهدوء النفسي, وبالثقة التي ينعم بها الناس الآخرون, خصوصا أني أمر بظروف صعبة -أقصد في عملي- والحمد لله على ما قدر.



آمل من سعادتكم -يا دكتور محمد- تشخيص حالتي, ووصف العلاج المناسب لي, وإرشادي وتوجيهي فيما ترونه مناسبا لحالتي, فأنا لا أرغب بالذهاب إلى طبيب نفسي.



جزاكم الله خير الجزاء, وأسأله ألا يريكم مكروهاً, ويحفظ لكم صحتكم, ويكتب لكم الأجر, ويجزل لكم المثوبة.



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الفاضل/ سعيد حفظه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:



لقد عرضتَ مشكلتك بصورة واضحة وجلية، وقد أعجبني تنظيمك وترتيبك للأمور بصورة لبقة جدًّا، مما جعلني أطمئن على مقدراتك، وأقول لك: السبع النقاط الأولى التي ذكرتها من حيث مكونات الأعراض كانت كافية جدًّا لتقنعني ودون أي شك في أنك تعاني من (اكتئاب نفسي) وهذه الكلمة يجب ألا تكون منفّرة أو محزنة لك؛ لأن الاكتئاب مثله مثل الأمراض الأخرى أصبح كثيرًا ومنتشرًا، وأعتقد أن السعيد من يعرفه ويقبله كي يعالجه.



بقية الأعراض التي ذكرتها كلها كانت تأكيدات صلبة على أن الحالة التي تعاني منها بالفعل هي (اكتئاب نفسي).



النقطة الثامنة قد تكون ذات طبيعة خاصة، وهي الشعور بأن هناك من يُتابع زلاتك وهفواتك، هذا نشاهده أيضًا مع الاكتئاب النفسي، هي ليست أفكارًا ظنانية شكوكية بارونية، إنما هي شعور بعدم الطمأنينة والخوف من الفشل، وهذا نشاهده مع الاكتئاب.



أريدك -أخي الفاضل– أن تدفع نفسك دفعًا إيجابيًا سلوكيًا, أسهل شيء هو التحدث عن الأدوية، وسوف نتطرق لذلك -إن شاء الله تعالى– لكن أريدك فعلاً أن تركز على الدفع النفسي الإيجابي، فأنت رجل -الحمد لله تعالى– في خير وصاحب نعم، وحتى إن كانت هنالك مشاكل وصعوبات فهذه هي سنة الحياة، وهذه الأمور تحدث، وإن شاء الله تعالى يحق الحق في نهاية الأمر, فيجب أن تدفع نفسك الدفع النفسي الإيجابي المتفائل.



ثانيًا: الرياضة لا بد أن تُشكل جزءً رئيسيًا وحقيقيًا في حياتك، الرياضة تعالج النفوس قبل الأجسام، وكثيرًا جدًّا من أنواع الاكتئاب لا يستجيب إلا لممارسة الرياضة، فهذا الشق من العلاج أريدك أن تكون حريصًا عليه.



وقطعًا أنت مدرك تمامًا لأهمية إدارة الوقت؛ لأنه يعني إدارة الحياة، وقطعًا تواصلك الاجتماعي يجب أن يكون أحسن مما هو عليه الآن، ولا تترك مجالاً للاكتئاب ليتصيدك ويحرمك من جماليات الحياة الطيبة، وأن تجلس مع زوجتك وعيالك، وأن تستمتع بهذه اللحظات الطيبة.



وعليك أخِي بالدعاء والذكر، وأسأل الله تعالى أن يرفع عنك هذا الذي تعاني منه.



بالنسبة للعلاج الدوائي: رحلتك مع السبرالكس أعتقد أنها رحلة جيدة وإن كانت لم تؤدي إلى التعافي الكامل، وفي ذات الوقت سبب لك بعض الأعراض الجانبية مثل: زيادة الوزن، وفي المرة الأولى حين رفعتَ الجرعة إلى عشرين مليجرامًا حدث لك نوع من الإفراز الكيميائي الشديد مما أدى إلى حالة القلق والتوتر، وهذه نلاحظها في بعض الأحيان، لكنها ليست مشكلة كبيرة -إن شاء الله تعالى– وقد تجاوزتها أيضًا.



مشكلة الأرق قطعًا مشكلة، أنا أعترف بذلك، والأرق يؤدي إلى الإنهاك النفسي والجسدي، وهو ينتج غالبًا من الاكتئاب ويزيد من الاكتئاب، ولا بد أن يعالج، وأعتقد أنك تعرف الآليات المهمة لتحسين الصحة النومية، ويأتي على رأسها الرياضة وتجنب النوم النهاري، وتثبيت وقت النوم، وتجنب المثيرات والميقظات –كالشاي والقهوة والبيبسي والكولا والشكولاتة– ليلاً، والحرص على الأذكار، وأن تكون في حالة استرخائية قبل النوم، وعدم تناول وجبة العشاء متأخرًا من الليل، وعدم تناول طعام دسم ليلاً... هذا كله يساعدك.



بالنسبة للعلاجات الدوائية: أنا ربما أرى أن الـ (بروزاك) والذي يسمى علميًا باسم (فلوكستين) قد يكون الدواء الأنسب بالنسبة لك، البروزاك لا يحسن النوم كثيرًا، لا يحسنه تحسنًا مباشرًا، لكن بعد أن يزيل الاكتئاب سوف يتحسن النوم، ولن نتركك دون علاج دوائي ليحسّن النوم.



أنا أرى أن البروزاك دواء مجدد للطاقات، ويمكنك أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرين مليجرامًا –أي كبسولة واحدة– تستمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم، ويمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة في الصباح، وهذه الجرعة يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر على الأٌقل، بعدها يمكن أن تخفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة عام –وهذه ليست مدة طويلة-.



أما بالنسبة للسبرالكس: فبعد أن تبدأ في تناول البروزاك خفض جرعة السبرالكس إلى خمسة مليجراما يوميًا لمدة أسبوعين، ثم اجعلها خمسة مليجراما يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناوله.



وربما يكون من الأفيد والأجود أن تتناول الـ (سوركويل) والذي يسمى علميًا باسم (كواتبين) تتناوله كجرعة صغيرة ليلاً (خمسة وعشرين مليجرامًا) لمدة ثلاثة إلى أربعة أشهر، وإن لم يتحسن نومك يمكن أن ترفع جرعته إلى خمسين مليجرامًا، فهو دواء جيد جدًّا في هذا السياق وغير تعودي وغير إدماني.



هذه خطة علاجية دوائية جيدة لدرجة كبيرة، ويمكن أن تتخير المنهج الذي تراه مناسبًا لك، علمًا بأنه -وكما تعلم- توجد أدوية كثيرة جدًّا، والمهم دائمًا في العلاج الدوائي هو الصبر على الدواء ليؤدي فعاليته الكاملة، وعدم الاستعجال في تغيير الدواء أو التوقف عن تناوله.



أخيرًا: أنا مطمئن إن شاء الله تعالى أن أمورك سوف تكون على خير؛ لأنك تمتلك المهارات والركائز والعوامل الأساسية التي توفر لك صحة نفسية سليمة والتعافي الكامل إن شاء الله تعالى, ظروفك الحياتية يجب ألا تعكر صفوك، ولا تنسيك جمال الحياة الذي سوف تنعم به إن شاء الله تعالى.



بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.





via موقع الاستشارات - إسلام ويب http://www.islamweb.net/consult/index.php?page=Details&id=2195103

إقرأ أيضا :